24 سبتمبر 2009

لا أؤمن بهذا الاله

فقال لى: { إن ما لا يؤمن به الكـثير من الملحـدين, هو إله لا أؤمن به أنا أيضـًا }...
فكان لهذا القـول أبعـد الأثر فى قـلوب العـديد من القـراء...
ومن ثمّ طـلبـوا إلىّ أن أحـرّر مقالة تصف هـذا الإله الذى كنت أنا ايضـًا لا أؤمن به...
فنزلت عـن رغـبتهم, ولكننى لم أدْعِ إنشاء أطـروحة دكتوراه...
بل رأيت أن أباشر حـوارًا شخصيـًا, حـيويـًا, جادًا, بالأخص مع الذين لم يلتقـوا الله بعـد فى طريقهم...

وكنت آنذاك أدرك أن كل مرة يتكلم فيها المرء عـن الإله الذى يحيـا فيه, فإن تعـبيره يظل دومـًا محدودًا...
لأن الله هـو الحيـاة...
ولأن الحياة لا تُحـدّ بعـبارة أو دستور...
فكلّ كلمة تعـنى دومـًا أكـثر مما تحـوى وأقـلّ مما تحـوى...

وكنت أعـلم ـ وأجد فى ذلك تعـزية سابقة ـ أن البسطاء سيفهموننى, وكذلك الأطهار, والنزهاء, والأبرياء, والذين لايخجلون من أن يبكوا على خطاياهم...
وكنت أعـلم أن عـددًا منهم لا بأس به سيكتشفـون أنهم أقـل إلحـادًا مما يخشون...

أنشأت المقـال...
فسُلّط عـليه النقـد وتسبّب لى ببعـض الصعـوبات...
ولكنه كان لى فى الوقت نفسه من أعـظم دواعى التعـزية...
فإنْ أنسى لن أنسى قـط رسالة كانت بين الآلاف من الرسائل التى وصلتنى, عـقب ذلك, بواسطة الجريدة التى صدرت فيها أولاً...
قال لى الزوجان أصحاب هذا الكتاب:
{ ها نحن نبعـث إليك بمقالك لتوقعه لنا, كلانا ملحد, ولكن لنا أربعـة أولاد, وبغـيـتـنا لهم, إذا ما آمنوا يومـًا بالله, أن يؤمنوا بذلك الإله الذى تدعـوه " الإله الآخـر" }...

لا غـرو أن الذين تشككوا من كلامى إلى حـد أنهم خافـوا أن أفـقـد الإيمان, قد جعـلونى أفكـر...
إلا أن ضمـيرى يشهـد أنَّ مقالتى لم تكن سوى طـريقـة جـديدة لأعـلن عـلى الملأ إيمانى بهذا الإله الذى لا يُحـدّه وصف...
والذى طالما طالبنى به, عـلى مثل ما يكون التوسل والتسول, أناس كـثيرون يجاهرون بالإلحاد...
لذلك أردت أن أختم كتابى بهـذه الأسطر...
وهى إقـرارى البسيط الناقص, ولكنه المخلص, بالإيمان

الإهداء ....

إلى أصحابي غير المؤمنين

أجل ، لن أؤمن أبداً...
بإله يباغت الإنسان في خطيئة ضعف...
إله يشجب المادة...
إله يعييه الجواب عن المشاكل الخطيرة التي يواجهها إنسان مخلص مستقيم يقول له باكياً: " لا أستطيع"...
إله يحب الألم...
إله يعترض على أفراح البشر...
إله يعقم عقل الإنسان...
إله منجم مشعوذ ...
إله يفرض رعبه في القلوب...
إله يرفض أن نخاطبه بالـ " كاف "...
إله عجوز قابل للخداع...
إله تحتكره كنيسة ، أو عنصر، أو ثقافة، أو فئة معينة...
إله لا يحتاج إلى الإنسان...
إله " يانصيب" لا يمكن الحصول عليه إلا مصادفة...
إله حكم لا يلعب إلا وفي يده النظام...
إله متوحد...
إله لا يحسن الابتسام أمام حيل البشر وخداعهم...
إله " يرسل" الناس إلى جهنم...
إله لا يحسن الرجاء...
إله يطلب دوماً العلامة القصوى في الامتحانات...
إله تستطيع الفلسفة تفسيره...
إله يعبده الذين يقدرون على إدانة إنسان...
إله لا يستطيع حب ما يزدريه الكثيرون...
إله لا يستطيع مسامحة ما يدينه الكثيرون...
إله لا يستطيع افتداء البؤساء...
إله لا يفهم أن "الأطفال" لا بد أن يتوسخوا...
وأنهم معرضون للنسيان...
إله يمنع الإنسان من النمو، والفتح، والتطور...
وتجاوز حدوده إلى أن يجعل من نفسه " شبه إله "...
إله يفرض على الإنسان، إن أبتغي الإيمان ...
أن يتنازل عما يجعل منه إنساناً ...
إله لا يقبل الجلوس والمشاركة في أعيادنا البشرية...
إله لا يفهمه إلا الراشدون، والحكماء، وأصحاب المناصب ...
إله لا يخشاه الأثرياء، ممن يقوم على أبوابهم البؤساء والجياع...
إله يمكن أن يقبله ويفهمه أولئك الذين لا يحبون ...
إله يعبده الذين يذهبون إلى القداس، ولا ينفكون يسرقون ويغتابون ...
إله معـقم، يصوغه علماء اللاهوت والقانون داخل مكاتبهم ...
إله لا يقوى على اكتشاف بعـض الخير، بحكم الطبيعة نفسها...
حيثما يخفـق الحب، مهما زاغ عن الطريق...
إله يرتضي تقدمة من لا يعمل بالعدل ...
إله يساوي بين خطيئة من يسر برؤية ساقين جميلتين ...
ومن يغتاب قريبه أو يسرقه، أو من يستغل سلطانه ليزدهر أو ينتقم ...
إله يشجب الجنس ...
إله يستطيع أن يقول : " سوف تدفع لي الثمن " ...
إله يتندم على أنه أعطى الحرية للإنسان ...
إله يؤثر الظلم على الفوضى ...
إله يرضى عن المرء الذي يسجد ولا يعمل ...
إله أخرس لا شعور له أمام المشاكل الخانقة التي تؤلم البشرية ...
إله همه النفوس لا الأناس ...
إله أفيون بالنسبة إلى الإصلاح الزراعي، ورجاء بالنسبة إلى الآخرة فقط...
إله يؤمن به تلاميذ يهربون من أعمال هذه الدنيا ولا يأبهون بشؤون إخوتهم ...
إله الذين يظنون أنهم يحبون الله لأنهم لا يحبون أحداً ...
إله يدافع عنه من لا يوسخون أيديهم قط ...
ولا يطلون من شبابيكهم قط ...
ولا يرمون بأنفسهم في الماء على الإطلاق ...
إله يعجب الذي دأبهم القول: " كل شيء على ما " يرام ...
إله الذين يزعمون أن الكهنة يرشون الماء المبارك على قبور أحابيلهم المكلسة...
إله مواعظ الكهنة الذين يظنون أن جهنم مكتظة والسماء تكاد تكون فارغة...
إله الكهنة الذين يزعمون أنه من الحلال نقـد جميع الأشياء والناس باستثنائهم...
إله الكهنة المتبرجزين...
إله يحب الحرب...
إله يجعل الشريعة فوق الضمير...
إله يؤسس كنيسة جامدة، تدعو إلى الجمود ...
لا تقوى على التطهر والتحسن والتطور...
إله الكهنة الذين تزدحم جعـبتهم بالأجوبة الجاهزة عن جميع المشكلات...
إله يرفض للإنسان حرية الوقـوع في الخطيئة...
إله يمتنع عن السخرية من الفريسيين الجـدد...
إله ينقصه الغـفران لأية خطيئة...
إله يفضل الأغـنياء والأقوياء
إله " يتسبب" بالسرطان أو " يجعل" المرأة عاقراً...
إله لا يمكن مخاطبته إلا ركوعاً ، ولا يوجد إلا في الكنيسة...
إله يقبل ويستحسن كل ما يقول عـنه الكهنة...
إله لا يخلص الذين لم يجـدوه، بل الذين تاقوا إليه وبحثوا عـنه...
إله " يرسل" الولد إلى جهنم بعـد خطـيئته الأولى...
إله لا يمنح الإنسان إمكانية القضاء على نفسه بالهلاك...
إله لا يكون الإنسان في نظـره مقياس كل المخلوقات...
إله لا يسرع لملاقاة من تولى عـنه...
إله لا يستطيع أن يجعـل كل الأشياء جديدة...
إله لا يوجه كلمة مميزة، شخصية، خاصة، إلى كل فرد...
إله لم يعـرف السبيل إلى البكاء بسبب الناس...
إله لا يكون النور...
إله يفـضل الطهارة على الحب...
إله لا تهيج مشاعره أمام الوردة...
إله لا تستشفه في عـيني الطفل، أو في الفتاة الجميلة ، أو الأم الباكية...
إله لا يكون موجودا حيث يحب الناس بعـضهم بعـضًا...
إله يقترن بالسياسة...
إله يوحي بنفسه مرة واحدة لمن يتوق إليه بإخلاص...
إله يهدم الأرض، والأشياء التي يحبها الإنسان، بدل أن يطورها ...
إله يكون بلا سر، ولا يكون الأكبر...
إله يريد لنا سعادة غـريبة عـن طبيعـتنا البشرية...
إله يزيل جسدنا إلى الأبد بدل أن يقيمه من الأموات...
إله يعـتبر قيمة الناس لا في ما هم، بل في ما لهم أو ما يمثلون...
إله يقبل صديقا له من يجور في الأرض ولا يسعـد أحداً...
إله لا يكون سخاؤه كسخاء الشمس...
فهي تقبل كل ما تلمس، الزهرة وخثي البقـر، عـلى حـد سواء...
إله لا قبل له بتأليه الإنسان...
ولا يستطيع أن يجلسه إلى مائدته ولا أن يوليه نصيبا في ميراثه...
إله لا يحسن تقديم فردوس نكون فيه جميعاً أخوة حقًـا...
ولا يكون مصدر النور فيه من الشمس والكواكب فحسب...
بل من الناس الذين يحبون...
إله لا يكون فيه محبة ولا يحسن تحويل كل ما يمسه إلى محبة...
إله لا يمكنه أن يتولع بالإنسان...
إله لا يصبح إنسانـًا حقـًا مع كل ما يترتب على ذلك من تبعـات...
إله لم يولد ولادة عجيبة من أحشاء امرأة...
إله لم يعـط البشر أمه بالذات …
إله لا يسعني أن أرجوه فوق كل رجاء...
أجل ، إن إلهي هو الإله الآخر...



لا أؤمن بهذا الإله -


خوان أرياس-

ليست هناك تعليقات: